الفساد المتفشي وفشل الهجوم المضاد.. خطر مزدوج يهدد استمرار “زيلينسكي”

المرصد العربي – عاطف سعد

تضافرت عوامل كثيرة في أوكرانيا كانت وراء حالة الإخفاق العسكري أمام روسيا من بينها تفشي الفساد ما خلف غضبًا شعبيًا واسعًا، لا سيما مع اعترافات أوكرانية وغربية بفشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي عُقِدت عليه آمال واسعة في كييف والعواصم الغربية، وكلف خزائن دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة أمريكا، مليارات الدولارات والدعم دون مقدرة على استعادة الأراضي التي أصبحت تحت سيطرة روسيا منذ شهور.

واعترف مستشار رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية، ميخائيل بودولياك، باستياء وغضب الشعب الأوكراني بسبب إخفاقات القوات الأوكرانية على خط المواجهة والفساد المتفشي لدى الطبقة الحاكمة في كييف.

وقال بودولياك، في مقابلة مع قناة وكالة UNIAN على يوتيوب، إن المجتمع الأوكراني منزعج ومستاء وتراكمت لديه الكثير من الأسئلة الصعبة حول الفساد، والتصريحات المثيرة للجدل والسلوكيات و”عدم وجود اختراق على طول خط المواجهة طوال شهور”، ما يرتبط باعترافات غربية وحلف الناتو بفشل الهجوم المضاد.

في سياق متصل، ذكرت صحيفة “بوليتيكو”، أن الفساد في أوكرانيا يمكن أن يقوض ثقة القادة الغربين في نظام كييف ويؤدي إلى وقف المساعدات الغربية لأوكرانيا.

ويرى مراقبون أن استمرار الحرب ضد روسيا والتوافق مع رغبات الدول الغربية سيكون العامل الرئيسي لاستمرار زيلينسكي بمنصبه، وليس كسبه الحرب ضد موسكو، لأن آخر انتخابات رئاسية جرت في أوكرانيا في عام 2019، ولولا الأحكام العرفية، لكان من المقرر أن تجري الانتخابات المقبلة في عام 2024.

فارق ضوئي.. وأسباب الغضب الشعبي

يرى الباحث التركي المتخصص في الشأن الدولي، فراس رضوان أوغلو، إن فلوديمير زيلينسكي، جر بلاده إلى مواجهة تميل كفتها لصالح روسيا بشكل مطلق، فهناك فارق شاسع بين قدرات واستعدادات الجيشين الروسي والأوكراني، وبالتالي مارست روسيا مخططات عسكرية بارعة بعمل كماشة للجيش الأوكراني وتطويقه خلال النصف سنة الأولى من الحرب ثم تصفية قدراته وإمدادات الغرب خلال الشتاء الماضي في ظل وجود قدرات قتالية جوية عالية التقنية وفائقة التسليح لدى الروس في حين تظل أوكرانيا تسأل الغربيين الحصول على مقاتلات (إف 16) منذ شهور، دون أن يكون لديها طواقم طيارين مدربين بشكل كامل وكافِ للتعامل معها واستخدامها بشكل احترافي لتحدث توازنًا بالحرب.

وأضاف فراس رضوان أوغلو، في تصريحات خاصة لموقع “المرصد العربي”، أن حالات الفساد المنتشرة في ظل تردي أوضاع الدولة اقتصاديًا وفشل عسكري يليه فشل كان وراء توقعات بأن الغربيون لن يصبروا كثيرًا على “زيلينسكي” وستكون هناك مزيد من الضغوط لدفعه للقبول بتسوية سياسية مع الطرف الروسي مهما كانت اشتراطات موسكو.

وأوضح أوغلو، أن هناك العديد من النقاط التي تؤكد كون زيلينسكي في مأزق وموقف لا يحسد عليه مستعرضًا خطوات اتخذها الرئيس الأوكراني لتعديل حظوظه السياسية..

– انشغال الداعمين الغربيين بقيادة الولايات المتحدة بتوجيه قوافل الدعم صوب إسرائيل لدعمها في حرب غزة ما دفع زيلينسكي لتكثيف هجمات قواته في أفدييفكا وضربات المسيرات.

– قلة الدعم من حلف الناتو وراء العديد من الإخفاقات على الجبهة ولجوء زيلينسكي لنصب متاريس دفاعية وتحصينات لضمان عدم سقوط مناطق أخرى بمناطق الشرق.

– تأخر وضبابية المشهد بشأن وصول مقاتلات (إف 16) والصواريخ بعيدة المدى من عواصم الغرب إلى كييف فعاود زيلينسكي مطالبه بمواصلة الدعم وعدم نسيان حربه ضد روسيا.

– حديث إدارة بايدن مع القادة الأوكرانيين حول احتمال ربط المساعدات الاقتصادية المستقبلية بـ”إصلاحات لمعالجة الفساد، وجعل أوكرانيا مكانًا أكثر جاذبية للاستثمار الخاص، ما اضطر الرئيس الأوكراني لإقالة عددا من كبار مسؤولي الدفاع.

في سياق متصل، نشرت صحيفة “سترانا” الأوكرانية في وقت سابق، استطلاعًا أظهر أن مستوى ثقة الأوكرانيين بزالوجني تتجاوز مستوى ثقتهم بزيلينسكي، ما يترجم حالة من الضغط السياسي على رئيس أوكرانيا رغم تلويح الأخير في الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، بأن الوقت غير مناسب لإجراء الانتخابات وسط استمرار العمل بالأحكام العرفية.

الخلافات تكشف بواطن الفساد

ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الدولية، أحمد سلطان، أنه بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد وتحقيق الجيش الروسي، العديد من النجاحات العسكرية والسيطرة على مدن كبيرة حدثت انقسامات وخلافات واسعة بين القيادات العسكرية والسياسية الأوكرانية، لا سيما بين رئيس الأركان فاليري زالوجني، والرئيس فلوديمير زيلينسكي، وخرجت بعض التقارير التي تشير لوجود خلافات ملتهبة بين الطرفين، ما دعا البعض لتوقع عدم اتمام الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المقبلة.

وقال أحمد سلطان، في تصريحات خاصة لـ”المرصد العربي”، إنه في ظل تفشي الفساد الكبير والحديث عن اختفاء وتسريب العديد من أوجه الدعم الغربي المقدم لأوكرانيا سواءً المادي أو العسكري الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لكشف شخصيات كبيرة غارقة حتى أذنيها في بوتقة الفساد الإداري والسياسي والعسكري، كما قد يكون الحساب عسيرًا ويكون ثمن تلك الإخفاقات هو مستقبل فلوديمير زيلينسكي، السياسي والعسكري.

وأضاف سلطان، أن النجاح عادة يواري أي سوءات متعلقة بالفساد أو الرشوة والتخاذل في حين أن الهزيمة تكون كالرياح العاصفة عادةً ما تقتلع الشجر عائم الجذور، وهذا ما كشف مسلسلات الفساد التي استشرت في أوكرانيا خلال قرابة العامين من الحرب..

واستعرض الباحث أحمد سلطان عددًا من العوامل التي ترجح كون مستقبل الرئيس زيلينسكي بات في خطر..

– تلقي أوكرانيا مساعدات مالية وعسكرية ضخمة من الدول الغربية، منذ بدء الحرب في 24 فبراير 2022، ولكن دون فائدة.

– سقوط نحو ربع مساحة أوكرانيا الكلية بيد الجيش الروسي وتحت سيطرته ما يترجم فشلًا واسعًا لنظام زيلينسكي والداعمين الغربيين.

– حالة من السخط الأوروبي والغربي من فاتورة الدعم المرهقة لخزائن العواصم الغربية في ظل أزمتي الطاقة والإنتاج العالميتين.

– تدمير البنية التحتية الأوكرانية بشكل شبه كامل خاص بمناطق الشرق والجنوب ما يعني ضياعا اقتصاديا لعقود مقبلة.

– إدراك نخب أوكرانية أن زيلينسكي زج بالبلاد في “حرب بالوكالة” وآتون معركة غير متكافئة ضد الجيش الروسي لصالح أمريكا والغرب.

يبقى كسب جولات الحرب واستعادة دفة الأمور في المعركة ضد روسيا كارت الإنقاذ للرئيس الأوكراني سياسيًا وعسكريًا، لا سيما أن أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “إيلك كوتشيريف” الأوكرانية للمبادرات الديمقراطية في سبتمبر 2023، أن حوالي 80 بالمئة من الأوكرانيين يحملون فلوديمير زيلينسكي مسؤولية الفساد في الإدارات الحكومية والعسكرية.

شارك المنشور مع اصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *