القمح والطاقة وارتفاع الأسعار.. أزمات عالمية فاقمتها حرب أوكرانيا في 2023

المرصد العربي – عاطف سعد

اندلعت حرب روسيا وأوكرانيا في 22 فبراير 2022 لتزيد من أوجاع الاقتصاد العالمي، وتشتعل معها أسعار الحبوب (القمح والذرة) فضلًا عن أسعار الغاز التي اشتعلت وأشعلت معها أسعار النفط وباقي المحروقات مع اشتداد العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي..

آخر موجات العقوبات الممتدة على مدار نحو عامين من حرب روسيا وأوكرانيا والتي استهدفت صناعة الأسلحة الروسية منذ أواخر فبراير العام الماضي، بالإضافة إلى صادرات التكنولوجيا، والأصول الأجنبية، والبنوك، وشركات الطاقة، ورجال الأعمال الأثرياء، ثم عزلت الدول الغربية روسيا تماما عن السوق المالية العالمية..

كان إعلان وزارة الخزانة الأمريكية، إدخال أسماء 13 شخصًا و20 كيانًا إلى قائمة العقوبات الأمريكية ضد روسيا وبيلاروسيا، من بين الأشخاص الذين شملتهم القيود مواطنون من روسيا وبيلاروسيا وبلجيكا وهولندا والسويد.

ومع تعثر تجديد “اتفاق الحبوب” بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة وتركيا، تأثرت سلاسل الإمدادات والتوريد لتتأثر أسعار الحبوب والطاقة كسلع عالمية بشدة خلال العام 2023 بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات ذلك دوليًا وعلى الدول النامية، لا سيما الإفريقية تحديدًا.

في السطور التالية يرصد متخصصون، تحدثوا لـ”المرصد العربي”، عن تأثيرات بالغة على الدول الإفريقية والنامية جراء الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الحبوب والطاقة، كما فندوا بعض الحلول التي لجأت إليها بعض الدول ولم تحل جذريًا أزمتي الغذاء والإنتاج المعتمد على المحروقات..

الحبوب والطاقة.. والحرب الهجينة

يقول مدير مركز “جي سي إم” للدراسات ومقره موسكو، آصف ملحم، إن دول العالم الإفريقية والنامية فوجئت بالخلاف العسكري الواسع في أوكرنيا والذي أنتج أزمات عالمية في أسعار وتوافر سلع استراتيجية من بينها الحبوب (القمح والذرة والشعير) الذي تنتج موسكو وكييف منهما رقمًا مهمًا بالنسبة للتجارة العالمية (ما يزيد عن 76 مليون طن لـروسيا، و32 مليون طن لأوكرانيا)، فضلًا عن الغاز الروسي واشتعال أزمة الطاقة في أوروبا، أيضًا شهد العام 2023 ارتفاعًا هائلًا في أسعار المحروقات والحبوب نتيجة الحظر اللوجيسيتي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على صادرات روسيا وتعثير سلاسل التجارة والإمدادات عبر الموانئ.

ويضيف آصف ملحم، خلال تصريحاته لموقع “المرصد العربي”، أن العام الجاري شهد تكدسًا في البضائع الروسية بالموانئ، لا سيما الحبوب والأسمدة ما أشعل سوق المنتجات الزراعية حول العالم، وبالتالي خلق عدم توازن في ما يخص ميزانات الدول التي تخص استيراد الغذاء وأثرت على الأمن الغذائي المحلي والإقليمي، وأدى ذلك أيضًا إلى تضخم في الأسواق المحلية ما سبب تحركات سياسية قوية في دول القارة الإفريقية والعمد إلى تغيير المسار السياسي وإزاحة بعض أنظمة الحكم الموالية للغرب.

واستعرض ملحم، في نقاط أبرز ما أسفرت عنه تلك الأزمات العالمية على السوق العالمي، لا سيما في الدول النامية والإفريقية..

– خفضت مصر في 2022 التي كانت تستورد نحو 80 بالمئة ما مقداره 14 بالمئة من واردات الحبوب (القمح والذرة).

– تحور في تصنيع الخبز والمنتجات الغذائية منها المكرونة مع اللجوء لاستخدام دقيق العدس والبطاطا رغم قيمته الغذائية الأقل.

– لجأت شركات مستوردة في دول إفريقية (الكاميرون) إلى أسواق دولية أخرى من بينها الهند والصين رغم كونها ثالث المستوردين للقمح عالميًا بعد مصر وإندونيسيا.

– بعض منتجي الخبز المحليين في إفريقيا لجئوا لاستخدام البطاطس الإيرلندي، وفي كينيا يستوردون 44 بالمئة من القمح ووصل مستوى التضخم إلى 6.5 بالمئة ما زاد من فرص استهلاك الأرز والبقوليات مع تضاعف أسعار الذرة.

– ربع حجم التجارة العالمية من إنتاج القمح كانت على عاتق روسيا وأوكرانيا حتى 2021؛ فالعقوبات التي فرضت على موسكو أدت إلى مفاقمة الأسعار.

– وجود مشروع مدعوم من الكرملين برعاية تركيا والأمم المتحدة (اتفاقية البحر الأسود) ومن أحد بنودها تسهيل توريد الحبوب من موانئ أوكرانيا ولم تنفذ الاتفاقية (تجديد الاتفاق) في 17 يوليو الماضي، وهو ما أجج الأزمات في إفريقيا والدول النامية مع تصاعد التوترات الجيوسياسية.

وتؤكد تقارير، أن مفاقمة العقوبات الخاصة بسلاسل التجارة الروسية وضخ شحنات الحبوب للدول الإفريقية خصوصًا في 2023، هدفت منه أميركا والدول الغربية إلى توريط موسكو أمام العواصم الإفريقية وإظهارها أنها السبب في المجاعة ببعض دول العالم، وهو سيناريو تنبهت له دول القارة السمراء التي زادت من معدلات التقارب مع روسيا، لا سيما في غرب القارة من بينها مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

– ضخ روسيا كميات من القمح مجانًا لدول إفريقية ساهم في تقليل حدة أزمة نقص الحبوب ولكنه لم يكن حلًا باتًا.

عام الصدمة الاقتصادية

قال الخبير الاقتصادي، الدكتور السيد خضر، إن العام 2022 يمكن أن نطلق عليه عام الصدمة؛ فاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وطول أمدها أدى إلى اضطراب قوي على صعيد شحنات الحبوب باعتبار البلدين من أكبر مصدري الحاصلات الزراعية، لكن العام 2023 وكما شهدنا الأسعار بدأت تتراجع مدعومة بموسم حصاد وفير، فأسعار القمح العالمية تراجعت بنحو 15.8 بالمئة والذرة بقرابة 27.6 بالمئة منذ بداية العام وحتى 8 ديسمبر الحالي، أما الأرز فشهدت أسعاره استقرارًا إلى حد ما.

وأضاف السيد خضر، في تصريحات خاصة لـ”المرصد العربي”، أن هذه التراجعات ليس بالضرورة أن تمرر إلى المستهلك نتيجة لعوامل أخرى مرتبطة بمستويات التضخم داخل كل دولة وارتفاع أسعار الفائدة الأمر الذي أضرر بعملات الدول النامية ومنها الدول الإفريقية؛ فتراجع العملات أمام الدولار الأمريكي مع ارتفاع التضخم يحد من القدرة الشرائية للمستهلكين.

العقوبات وصادرات روسيا

ويرى الباحث في الشأن الدولي، أحمد العناني، أن أكثر سلعة استراتيجية تأثرت بالحرب الروسية الأوكرانية كانت الحبوب فضلًا عن الأسمدة والتي فاقم منها أن الصين تتربع وحدها على عرش منتجي القمح العالميين، بإنتاج يقدر بـ137 مليون طن من القمح والمفارقة الأغرب هي أن بكين رغم حجم الإنتاج الضخم من القمح تستحوذ على 4.76 بالمئة من الواردات العالمية لهذه السلعة لتحتل المركز الثالث بين أكبر المستوردين العالميين، ناهيك عن أزمة الطاقة التي تزيد حدتها في الشتاء القارس البرودة وأكثر المتأثرين بها الأوروبيون.

وقال أحمد العناني، في تصريحات خاصة لموقع “المرصد العربي”، إن الدول الغربية راهنت على تركيع الاقتصاد الروسي وقدرات الدولة العسكرية في حرب أوكرانيا عن طريق استراتيجية الاستنزاف ووقف سلاسل الإمداد نتيجة العقوبات الأميركية التي تزايدت في 2023، ولكن يبدو أنهم “أحرقوا أنفسهم بالنار وكانو أول من اكتوى بها”..

كما أن موسكو قررت عقاب الدول الغربية بالتهديد بقصف أي سفن تحاول الاقتراب من الموانئ الأوكرانية لشحن الحبوب للدول الغربية والحليفة لدول (الناتو) ردًا على تجميد اتفاق الحبوب برعاية أممية وتركية وإهمال طلبات روسيا.

وتؤكد تقارير أن الدول الغربية لم تتأثر بشكل بالغ خلال الشتاء الماضي، لا سيما، مع وقف ضخ الغاز الروسي ورغم لجوء دول أوروبية للغاز الجزائري ومصادر بديلة للطاقة الروسية إلا أن وجود شتاء قارس البرودة سيزيد “الطين بلة” في أوروبا.

شارك المنشور مع اصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *