التقارب السعودي الروسي والالتزام باتفاقية “أوبك+”.. ضربة جديدة لمصالح أمريكا بالشرق الأوسط

المرصد العربي – خاص

لم تكن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأخيرة (6 ديسمبر الجاري)، إلى المملكة العربية السعودية، مجرد زيارة عادية بل هي بمثابة تدشن لمرحلة نظام عالمي المتعدد الأقطاب الذي أصبح “حقيقة”، وهو بالضرورة يشكل ضربة غير مباشرة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة الشرق أوسطية؛ لا سيما أن روسيا ستترأس مجموعة بريكس وعدد سكانها 3.2 مليار نسمة يعادل 42 بالمئة من إجمالي سكان العالم، مقابل 800 مليون نسمة لمجموعة السبع.

وحسب تقاير، يبلغ حجم اقتصاد الصين ما يفوق 6 من اقتصادات مجموعة السبع وهي (ألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا وفرنسا وبريطانيا)، كما بكين، تمتلك مشاريع طموحة مثل “الحزام والطريق” الذي بحاجة إلى بناء بنية تحتية تصل آسيا بإفريقيا وأوروبا.

وأفادت مؤشرات اقتصادية، أن الهند تخطط لتطوير 100 مدينة ذكية مرتبطة بقطارات سريعة، بينما تسعى روسيا إلى بناء الشرق الأقصى كجسر اقتصادي جديد بين أوروبا وآسيا من خلال المناطق الاقتصادية الخاصة المتقدمة.

التعاون التجاري

يقول الدكتور عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب، أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقًا: اتخذ الجنوب العالمي خطوات لإدخال بدائل لنظام التجارة القائم على الدولار، إذ اتفقت الصين والبرازيل على الانخراط في تجارة عبر الحدود باستخدام عملاتها الخاصة متجاوزين نظام الدولار، وكذلك روسيا والهند، أي أن منتدى بريكس أصبح منتدى لمعالجة القضايا العالمية الحرجة، مثل التجارة والتمويل وتغير المناخ وأمن الطاقة.

وأضاف عبدالحفيظ محبوب، في تصريحات خاصة لـ”المرصد العربي”، أن سطوة الغرب على مفاصل اقتصادية رئيسة كالدولار عملة التجارة والاحتياطي الأولى عالميًا، مما سينعكس على مشاركة السعودية لهذه المجموعة لتعميق التعاون في مجال الطاقة وتحقيق التكامل الاقتصادي ويصب أيضًا في تحقيق التوازن في علاقاتها الدولية وتنويع شراكاتها.

ويرى محللون أن بوتين أتى إلى السعودية، باعتارها الدولة القائدة ليس في المنطقة العربية وإنما في العالم واعتبره ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضيفًا عزيزًا عليه وعلى السعودية لتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين، لا سيما بعدما فرضت الرياض لها مكانة دولية، ففي مقولة سابقة للرئيس بوتين قال: “السعوديون لا يخدعون ولا يغشون وإن قالوا يفعلون”، ما يعني أن السعودية اكتسبت ليس فقط ثقة بوتين بل ثقة العالم.

غضب عربي من واشنطن

يقول الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن زيارة بوتين للسعودية أتت في وضع سعودي عربي يتسم بالغضب الشديد من إسرائيل ومن الولايات المتحدة القادرة على إيقاف إطلاق النار في قطاع غزة، رغم ذلك أغضبت زيارة بوتين أمريكا خصوصًا بعد استقبال بوتين بحفاوة من قبل الأمير محمد بن سلمان، والتصريحات التي تظهر وجود توافق في قضايا مختلفة وعلى رأسها موضوع تخفيض إنتاج النفط ووحدة موقف “أوبك+” من ذلك، وعادت أمريكا على لسان مبعوث الطاقة الأمريكي أموس هوكنستاين في يوليو 2023 إنه لا ينبغي التخلي عن أمل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وإن الأمر لا يزال هدفًا للولايات المتحدة رغم الحرب الدائرة في غزة.

وأضاف أيمن الرقب، في تصريحات خاصة لـ”المرصد العربي”: فشلت ضغوط واشنطن في إبعاد السعودية عن روسيا وإشراكها منذ بداية حرب أوكرانيا أن تشترك في العقوبات على روسيا بل التزمت السعودية موقف الحياد، كما فشلت إغراءاتها بتشكيل دفاع قوية لردع هجمات محتملة من قبل إيران أو من قبل أذرعها مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن السعودية أصرت على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم بتشكيل دولة مستقلة عاصمتها القدس لأنها تهمل هم الدول الشقيقة ولم تكن دولة أنانية تفكر في مصالحها بل تفكر في استرداد حقوق العرب باعتبارها قائد عربي لا يمكن أن تتنازل عن الحقوق العربية لقاء مقايضات خاصة بها.

مؤشرات اقتصادية

بلغ الإنتاج الأمريكي ذروته نحو 13.2 مليون برميل يوميًا في نوفمبر 2023 وهو ما ينعكس سلبًا على سعر البرميل من وجهة نظر أوبك+ ويستلزم التنسيق السياسي والإنتاجي معًا لمنع اهتزاز التحالف، خصوصًا وأن الإمارات ترى أن حصتها تقدر وفق مقاييس قديمة لا تتماشى مع قدرتها الإنتاجية الموسعة، وكان وزراء التحالف وافقوا خلال اجتماعهم في يونيو 2023 على زيادة حصة الإمارات بمقدار 300 ألف برميل يوميًا مع بداية عام 2024، كما أن السعودية نفسها على لسان وزير المالية السعودي، أوضح أن سياسة التخفيض أثرت على إيرادات الحكومة.

وتحتاج الدول الثلاث إلى مزيد من التأكيد على استمرار التنسيق وهو ضمان موثوق في الحفاظ على استقرار وضع السوق، فموسكو أعلنت عن خفضها التطوعي 500 ألف برميل يوميًا حتى نهاية مارس 2024، وكذلك السعودية أعلنت إن خفض مليون برميل يوميا الطوعي حتى نهاية مارس 2024.. وفي أكتوبر 2023، أشاد بوتين، بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقال حتى لو كانت هناك خلافات بخصوص تمديد تخفيضات أوبك+ فإن الكرملين سيسعى إلى توافق لأنه سبق أن انهار الاتفاق في مارس 2020 عندما كانت الأسواق تعاني بالفعل من جائحة “كوفيد-19″، لكن البلدين نجحا في رأب الصدع في علاقاتهما في غضون أسابيع، واتفقتا على تخفيضات قياسية تصل إلى حوالي 10 بالمئة من الطلب العالمي على النفط لدعم أسواق النفط.

شارك المنشور مع اصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *