فساد جديد في أوكرانيا.. هل تتلاشى فرص الدعم الغربي مع زيادة الضغط العسكري الروسي؟

المرصد العربي – خاص

تتزايد حلقات الفساد في أوكرانيا خلال الأشهر الأخيرة والتي برزت على السطح عالميًا بقوة مع اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية وانتشرت صور الفساد إعلاميا وتسببت في إقالات واسعة في وزارة الدفاع الأوكرانية عن صفقات وأسلحة وتربح مالي.
آخر صور الفساد التي ظهرت في وزارة الدفاع الأوكرانية ويجري التحقيق مع خمسة مسؤولين كبار تتعلق بإعلان جهاز الأمن الأوكراني، الكشف عن فساد في عملية شراء أسلحة للجيش تبلغ قيمتها حوالي 40 مليون دولار.
وحسب تقارير، احتلت أوكرانيا المرتبة 116 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد لعام 2022 لمنظمة “الشفافية الدولية” للحملات والبحوث، لكن جهود مكافحة الفساد بدأت تحدث فرقًا.
ويؤكد محللون، أن التأخير في تقديم المساعدات الخارجية لأوكرانيا يؤدي إلى تباطؤ قدرتها على تزويد جيشها بالأسلحة، الأمر الذي يتسبب في قلق كييف المتزايد وثقة موسكو المتزايدة.
وتحدث باحثان، أحدهما روسي لـ”المرصد العربي“، عن وجه الارتباط بين انتشار حلقات الفساد في أوكرانيا وبين توقف الدعم الغربي لـ كييف من عدمه..

مساومة غربية

يقول آصف ملحم مدير مركز جي إس إم للأبحاث والدراسات ومقره موسكو: أصبحت المعادلة بين الدول الغربية وأوكرانيا في موازنة طردية، كلما ازداد احتمال تحقيق تقدم أوكراني ما على الجبهة، ازداد احتمال موافقة الدول الغربية على تقديم المساعدات لأوكرانيا، وكلما ازدادت شكوك الدول الغربية في تحقيق تقدم أوكراني، كلما أصبحت إمكانية الحصول على المساعدات أبعد.
وأضاف آصف ملحم، في تصريحات خاصة لـ”المرصد العربي”، أنه بالرغم من أن هذه المعادلة تبدو ظاهريًا متماسكة وصحيحة، إلا أن رائحة الابتزاز والمساومة تفوح منها بوضوح؛ فاحتمال أو إمكانية تحقق حدث ما هو قضية مستقبلية، والحقيقة أنه لا يوجد طريقة ناجعة ودقيقة للتوقع والتنبؤ بأحداث المستقبل، وهذا يعلمه المسؤولون الغربيون جيدًا، ونظراً لأن عدد الدول الغربية كبير، كما أن الخلافات تعصف بين الدول الأوروبية نفسها من جهة، كذلك تعصف بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة ثانية، يصبح الابتزاز والمساومة متعددة المتجهات بين أوكرانيا وبعض الدول الغربية، أيضًا بين الدول الأوروبية نفسها، وبين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، كذلك بين بعض المؤسسات والشخصيات الغربية، وكذلك الأوكرانية، المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بموضوع المساعدات.
وأوضح الباحث والأكاديمي الروسي في حديثه لـ”المرصد العربي” أنه عبر هذه المتجهات جميعها يسهل عبور الفساد والصفقات المشبوهة، وهذا هو حال أوكرانيا منذ انفصالها عن الاتحاد السوفييتي، فالفساد في أوكرانيا مستشرٍ إلى أبعد الحدود، كان موجوداً قبل الحرب ولكنه ازداد وتعمق بعد نشوبها، لذلك سنكتفي ببعض الأمثلة:

  • في صيف 2022 حاول رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميكال، و(يوري فيترينكو) رئيس شركة النفط والغاز الوطنية (نافطوغاز أوكرايينا) الترويجَ لوجود نقص في كميات الغاز الضرورية لتغطية حاجات أوكرانيا في الشتاء. مع العلم أن المطالعة التي قدمها عضو مجلس الرادا ونائب رئيس اللجنة البرلمانية لقضايا الطاقة والشؤون العمرانية، ألكسي كوتشيرينكو، تبيّن أن الأرقام التي قدمتها شركة النفط والغاز الوطنية غير حقيقية. والهدف الحقيقي من ذلك هو تحويل مبلغ 6 مليار دولار إلى حساب الشركة بهدف تغطية كميات الغاز عن طريق (الاستيراد) من الخارج، في حين أنه سيتم تأمين هذه الكميات من الإنتاج المحلي لإحدى الشركات البنات للشركة آنفة الذكر، وهناك فارق في السعر بين الغاز المستورد وبين الغاز المنتج محلياً، وهذا الفارق سيذهب إلى جيوب المسؤولين المعنيين بالقضية.
  • بتاريخ 10 يناير 2024، تم تعيين أولغا بيشانسكايا رئيساً لغرفة الحسابات Chamber of Audit، وهذا التعيين يخفي خلفه حسابات شخصية، لأن أختها سفيتلانا بيشانسكايا مقربة من عائلة الرئيس فلوديمير زيلينسكي؛ ففيلا زيلينسكي في إيطاليا مسجلة باسمها.
  • وأثناء زيارة المبعوث الأميركي الخاص حول إصلاح أوكرانيا إلى كييف، بينّي بريتسكر، بتاريخ 12 يناير الجاري، تطرقت إلى هذا الموضوع تحديداً، فقالت: (لقد تحدثنا مع المسؤولين الأوكرانيين حول أهمية ليس فقط إصدار القوانين وتعيين الأشخاص في المناصب، ولكن أيضًا ضمان إجراء تدقيق وتفتيش المرشحين، بحيث يكون لدى كل الأوكرانيين، وليس الأوكرانيين فقط، الثقة في الرقابة، التي تنفذها المؤسسات الأوكرانية).

فرص الدعم

ويقول الباحث في الشأن الدولي، أحمد العناني، إن الثابت في الحرب الروسية الأوكرانية أن معظم الدول الغربية تعلم جيداً أن هزيمة روسيا على يد أوكرانيا عسكرياً مستحيلة بكل الفروض النظرية وأصبحت واقعًا بعد قرابة العامين من الحرب، والغرب يعلم جيدًا حجم الفساد الموجود في أوكرانيا من قبل اشتعال الحرب مع روسيا.
وأضاف أحمد العناني في تصريحات خاصة لـ”المرصد العربي”، أن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وباقي دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجدت ضالتها في الدولة الأوكرانية كونها أداة جيدة للقتال وتخوض حربا بالوكالة نيابة عن دول الناتو وتحقق أهداف واشنطن وحلفائها باستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا.
واستشهد العناني، بأهداف ترجح استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا رغم كل صور الفساد في كييف حاليًا المعلن وعير المعلن منها:

  • تحقق الحرب الروسية الأوكرانية أهداف الدول الغربية بوقف طموحات روسيا وتمددها كقوة سياسية عظمى في آسيا وإفريقيا.
  • ستحاول الدول الغربية الاستمرار في الحرب ضد روسيا إلى آخر جندي أوكراني وبالتالي عملية انتشار الفساد ليست المعضلة في معادلة استمرار الدعم لـ كييف.
  • تدرك الدول الغربية مغبة توقف الإمدادات العسكرية لأوكرانيا في الحرب رغم فاتورة المعركة المكلفة لخزائن الغرب، لا سيما أن الأمر سيكون بمثابة هزيمة استراتيجية لحلف الناتو.
  • هناك تسريبات أميركية تشي بخطط في واشنطن لاستمرار الدعم العسكري لأوكرانيا ولكن بما يكفي للدفاع عن بقية الأراضي الأوكرانية كي لا تسقط تحت سيطرة روسيا كما حدث مع خمس المساحة (20 بالمئة من أوكرانيا تحت سيطرة موسكو).
    تفيد تقارير، أن أوكرانيا تلقت مساعدات مالية وعسكرية ضخمة من الدول الغربية خلال قرابة العامين من الحرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية كبرى، وبلغ إجمالي حجم المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ فبراير 2022، 113 مليار دولار، من بينها 60 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية.
شارك المنشور مع اصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *