عبر وعظات من «قصة يوسف»

مر يوسف عليه السلام بقدر من الابتلاءات لا يقوى على حملها كثير من الناس ابتداء بكيد إخوته له وتآمرهم عليه ومرورا بمحنة إلقائه في غيابة الجب وهو طفل صغير، وما صاحبه في هذا الوضع المخيف من رعب ووحشة .

وحزن بعد الرعاية الفائقة التي كان قد تعود عليها في ظل والديه ثم محنة انتشاله من قاع البئر وبيعه رقيقا ينقله مالكوه من يد إلي يد، بغير إرادة منه ولا مشورة معه وهو النبي ابن النبي ابن النبي ابن النبي، ثم محنة افتتان زوجة العزيز به وولهها وهيامها بحبه ومحاولتها فتنته عن فطرته السوية التي فطره الله عليها ومحنة ما جمعت له من نسوة تستعين بهن على فتنته.

ومحنة السجن دون ذنب أو خطيئة ثم الابتلاء بعد ذلك بالجاه والسلطان والسعة في الرزق والتمكين في الأرض بالقيام على خزائن مصر، ثم الابتلاء بلقائه مع إخوته الذين سبق لهم أن ظلموه وجاروا عليه بالكيد له وانتهاء بالابتلاء الكبير الذي تمثل في تحقق رؤياه وسجود أبويه وإخوته له بعد أن جمع الله شملهم على أرض مصر.

وقد صبر يوسف عليه السلام على جميع هذه الابتلاءات والمحن صبر المؤمن بالله، الموقن بألوهيته، وربوبيته ووحدانيته وتجلد تجلد الصابر المحتسب. طلبا لمرضاة الله، وتسليما لقضائه، ورضا بقدره سبحانه وإيمانا بأنه الخير كل الخير.

ومما يثير الإعجاب حقا أن هذه الابتلاءات والشدائد والمحن التي مر بها سيدنا يوسف لم تعقه لحظة عن دعوته إلي الإسلام الخالص القائم على توحيد الله وتنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله حتى في أشد ساعات الابتلاء والامتحان صعوبة ويذكر لنا القرآن الكريم رده على زميليه في السجن حيث يقول: «يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار».

وبهذا الإيمان الراسخ بالله الواحد القهار خرج يوسف عليه السلام من كل هذه الابتلاءات والمحن والشدائد وهو أصلب عودا وأقوى على مجابهة الحياة وأكثر إخلاصا وتجردا لعبادة الله سبحانه وتعالى وحبا له وتفانيا في إرضائه ولذلك كانت أكبر أمنياته في لحظة الانتصار أن يتوفاه الله مسلما وفي ذلك يقول لنا القرآن الكريم في ختام قصة يوسف:

«فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين* ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.

وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم* رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين».

وهكذا كان في قصة نبي الله يوسف عليه السلام أجمل مواساة لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم في الابتلاءات والمحن والشدائد التي مر بها قبل الهجرة وأعظم تطمين له بحتمية الانتصار على أعداء الله وأعدائه وأجمل بشرى بقرب التمكين له في الأرض .

كما مكن الله تعالى لنبيه يوسف عليه السلام بعد ما مر به من الابتلاءات ومثل هذه البشائر تجري علينا إن نحن تمسكنا بالصبر واقتدينا بقصة سيدنا يوسف عليه السلام وبسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقلوب عامرة بالإيمان بالله ومطمئنة بمعيته وتسليما بقدره وقضائه وموقنة بأن فيه الخير كل الخير حتي لو بدا لنا بمقاييسنا البشرية المحدودة أنه ليس في صالحنا.

وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى «وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين* ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون».

بقلم /أروا حسنين

شارك المنشور مع اصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *