ألغام زاباروجيا.. مخاوف مشروعة من كارثة نووية أم حجة لتشويه روسيا؟

المرصد العربي – خاص

تصاعد الحديث عن قيام روسيا بزرع ألغام حول محطة زاباروجيا النووية (ZNPP)، خلال الأيام الماضية، وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذريةIAEA إن هذا مخالف لقواعد السلامة والأمان في المنشآت النووية، يأتي هذا الإعلان بعد مرور شهور من اتهام موسكو لـ كييف بالتخطيط في وجود دعم غربي للسيطرة على محطة زاباروجيا للطاقة النووية.

وفي التفاصيل، أعلنت الوكالة أن الألغام أعيد زرعها مجددًا في نوفمبر 2023 وباتت موجودة في منطقة محظورة على الموظفين الذين يسيرون عمل المحطة التي تعد الأكبر في أوروبا، (بين السياج الداخلي والخارجي للمنشأة).

ووفقًا لتقارير، تتكرر التوترات بين روسيا وأوكرانيا في شأن محطة زاباروجيا النووية، وتؤدي الوكالة الذرية دور الوسيط.

وتحدث باحثان أحدهما روسي، لـ”المرصد العربي” حول زرع روسيا ألغامًا حول المحطة النووية والمخاطر الممكنة من الكارثة المنتظرة، وما سبب إثارة المخاوف مجددًا..

حرب سياسية

يقول آصف ملحم، مدير مركز “جي إس إم” للأبحاث والدراسات ومقره موسكو، إن هذا الكلام مسيّس والغاية منه توجيه الاتهام لروسيا وإدانتها أمام الرأي العام العالمي، لأننا على يقين مطلق بأن المختصين في روس آتوم (الشركة الحكومية الروسية للطاقة النووية) يدركون جيدًا قواعد الأمان والسلامة في المنشآت النووية.

وأضاف آصف ملحم في حديث خاص لـ”المرصد العربي”: في الحقيقة، عند الحديث عن الأخطار في المنشآت النووية لا بد من تثبيت النقطتين التاليتين:

– لا يوجد خطر احتماله معدوم تمامًا، وتكمن المشكلة في أن الحدث معدوم الاحتمال قد يحدث، ونسميه الحدث شبه المستحيل، كذلك الحدث الذي احتمال حدوثه 100 بالمئة قد لا يحدث، ونسميه الحدث شبه الأكيد، و كل من درس علم الاحتمالات يعرف هذه المسألة.

– خبرة البشرية في الكوارث النووية ضعيفة للغاية، فلم يتم البدء باستخدام الطاقة النووية السلمية إلا في الـ 70 سنة الماضية، وعدد الكوارث النووية يمكن عده على أصابع اليد الواحدة.

– عند دراسة الأخطار المحتملة في منشأة نووية ما (أو أي منشأة صناعية) فإنه يتم الاعتماد على ما نسميه التحليل الاحتمالي، و على أساسه يتم بناء ما نسميه شجرة الأحداث الاحتمالية؛ فأي حدث يقود إلى مجموعة أولى من الأحدث، و هذه بدورها تقود إلى مجموعة ثانية، ومن ثم ثالثة، و هكذا دواليك. لذلك يصبح السؤال الأساسي:

أي المسارات ستسلك المنشأة بحيث تخرج عن السيطرة وتؤدي إلى كارثة؟

الخطر النووي.. والاحتمالات الممكنة

ويتابع ملحم في حديثه لـ”المرصد العربي”: كما أشرنا سابقًا، في النقطة الأولى، حساب احتمال وقوع الحدث لا يقدم لنا الكثير من المعلومات، لذلك تصبح الغاية من إجراء التحليل الاحتمالي للأخطار للإستئناس وليس أكثر.

وحسب بحث لـ”آصف ملحم” فإن بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى محطة زاباروجيا كانت تهتم دائمًا بالأضرار الخارجية الناجمة عن الأعمال الحربية، و لم تهتم بالأخطار التي قد تنجم عن أسباب داخلية. في بحث مفصل لي، منشور في إحدى المجلات العلمية المحكمة، وهذا رابطه:

https://jsmcenter.org/studies-researches/possible-accidents-scenarios-in-zaporizhzhya-nuclear-power-plant/

أجرينا حسابات هندسية دقيقة على محطة زاباروجيا النووية، وتبين أن العوامل الداخلية التي قد تؤدي إلى كوارث نووية كثيرة، وأهمها:

– سيؤدي انقطاع التيار الكهربائي عن أنظمة التبريد في أحواض تبريد الوقود النووي إلى غليان المياه وتبخرها وارتفاع درجة حرارة الوقود النووي، وبالتالي احتمال اندلاع التفاعل النووي التسلسلي ومن ثم انفجار نووي.

– ارتفاع درجة حرارة الوقود النووي في أحواض التبريد قد يؤدي إلى انصهار الهياكل المعدنية الحاملة للوقود النووي، وبالتالي إمكانية تسرب العناصر النووية المشعة إلى المياه الجوفية، وحدوث تلوث بيئي واسع النطاق.

– سيؤدي التحليل الإشعاعي للمياه إلى انطلاق غاز الهيدروجين وتراكمه في قبة المفاعل، وهو غاز شديد الاشتعال، سيؤدي تفاعله مع الأوكسجين الجوي إلى انفجار كبير، قد يؤدي إلى تطاير العناصر المشعة إلى مسافات بعيدة حسب العوامل الجوية.

– عمليات الأكسدة للمعادن الموجودة في البنى المعدنية التي تحمل الوقود النووي ستؤدي أيضًا إلى إطلاق غاز الهيدروجين شديد الاشتعال.

فرضية الصدق أم حملة تشويه؟

ويرى الباحث في الشؤون الدولية والإقليمية يسري عبيد، فرضية الصدق لتوريط روسيا في زرع ألأغام حول المحطة النووية في نوفمبر غير واردة، لأنه لوحظ تغيير رابطة المنظّمين النوويين في أوروبا الغربية WENRA قواعد السلامة النووية، وحصل ذلك بعد كارثة فوكوشيما؛ لأن كارثة فوكوشيما وقعت لسبب لم يكن من بين اهتمام الباحثين والمهندسين سابقًا، فلقد أضافت بندًا نصه: (حتى لو كان الاحتمال المحسوب للحوادث النووية منخفض للغاية فقد تكون العواقب الناجمة عن هذه الحوادث هائلة).

وقال يسري عبيد في حديث خاص لـ”المرصد العربي”: الكوارث الناجمة عن توليد غاز الهيدروجين حدثت قبل ذلك في محطة فوكوشيما اليابانية في عام 2011، كما أنه حدث تسرب للهيدوجين في عام 1979 في محطة Three Mile Island  في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.

وأضاف عبيد: على فرضية إقدام روسيا على زرع ألغام حول سور محطة زاباروجيا لمنع تسلل القوات الأوكرانية إلى داخل المحطة، ولو تخيلنا أن أحد الجنود تعثر بلغم ما وانفجر به، فهل سيؤدي هذا إلى تضرر جسم المفاعل النووي؟ بالتأكيد الجواب لا؛ فجسم المفاعل محصّن بشكل جيد، وعملية تدميره تحتاج إلى صاروخ أو قنبلة من النوع الثقيل وليس لغم للأفراد.

واستعرض، يسري عبيد، في نقاط سبب إثارة الجدل مجددًا حول محطة زاباروجيا النووية وتورط روسيا في زرع ألغام بمحيطها..

– احتمالات واردة لتعرض الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضغوط غربية واسعة لكي تدلي بمثل هذه التصريحات.

– حملة غربية جديدة منظمة لتشويه سمعة روسيا وإدانتها عالميًا في ظل صراع سياسي وإعلامي ممتد.

– الخطر النووي يمتد أثره لسنوات ومناطق ومساحات شاسعة للغاية وروسيا لن تعرض أمن مناطق خاضعة لسيطرتها لمخاطر إشعاعية قاتلة. ويرى محللون، أنه تحاشيًا لحصول أي حادثة نووية قد تؤدي إلى كارثة، لا بد من إخراج هذه المحطة من معادلة الصراع، فعند الجانب الأوكراني الكثير من الأهداف التي يمكنه قصفها ضمن الأراضي التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

شارك المنشور مع اصدقائك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *